بقلم: الخبير الرياضي الكابتن إسحاق بن سراج الاتحاد الدولي للتسويق والاستثمار الرياضي
المقدمة
في زمن باتت فيه التقنية عنصرًا أساسيًا في إدارة المباريات، تزايدت الآمال في تحقيق العدالة داخل الملاعب، والحد من الأخطاء التي أثارت الجدل لعقود. لكن مع مرور الوقت، اتضح أن الفارق في استخدام التقنية بين الألعاب المختلفة كبير جدًا، وظهر ذلك جليًا في المقارنة بين نظام VAR في كرة القدم، ونظام Hawk-Eye في التنس.
وفي الوقت الذي يُلزم فيه نظام التنس الحكم بتصحيح الخطأ فورًا استنادًا للتقنية، ما زالت كرة القدم تمنح الحكم سلطة “غير قابلة للنقاش” حتى لو خالفت الأدلة الواضحة.
الفرق الجوهري بين التنس وكرة القدم في التحكيم
في التنس، تُستخدم تقنية “عين الصقر” (Hawk-Eye) لرصد مكان سقوط الكرة بدقة عالية، ويُمنح اللاعب الحق في الاعتراض على قرار الحكم حتى ثلاث مرات في كل مجموعة، وفي حال ثبت أن الكرة دخلت أو خرجت حسب التقنية، يُعدل القرار فورًا، ويُمنع الحكم من تجاهله. التقنية هنا صاحبة الكلمة الفصل، والحكم مُلزم بتطبيقها دون تردد.
أما في كرة القدم، فرغم إدخال نظام VAR، إلا أن الحكم يبقى صاحب القرار النهائي. يمكنه أن يرفض مراجعة الحالة من الأساس، أو أن يشاهد اللقطة بوضوح ويُصر على قراره، حتى لو كان الخطأ واضحًا تمامًا. وهذا ما يفتح المجال للظلم أو على الأقل، للشعور بانعدام العدالة لدى الجماهير والفرق المتضررة.
خطورة هذا التفاوت في التطبيق
تكمن الخطورة في أن كرة القدم تعتمد على التقدير البشري حتى في وجود تقنية متقدمة، بينما التنس سلّم القرار للتقنية عند الخلاف. في كرة القدم، يمكن للحكم أن يُقصي فريقًا أو يحرمه من ضربة جزاء صحيحة، دون أن يُلزم بمراجعة قراره أو تصحيحه. وفي حال رفض الحكم مراجعة الحالة أو تجاهل توصية غرفة الفيديو، فلا توجد محاسبة واضحة وشفافة، وغالبًا لا يُعلن للجمهور عن الإجراءات المتخذة.
أثر هذا الخلل على اللعبة والمشجعين
لقد تسببت بعض الأخطاء التحكيمية – رغم وجود تقنية VAR – في تغيير مسار مباريات حاسمة، وأثرت بشكل مباشر على نتائج بطولات كبيرة. بعض الجماهير شعرت بظلم واضح، خاصة عندما تكون اللقطات واضحة على شاشات التلفاز، ومع ذلك لا يتغير القرار داخل الملعب. هذه الحالات تسببت في إحباط جماهيري شديد، وأثرت نفسيًا على بعض المشجعين، وصلت في بعض الحالات إلى أزمات صحية أو نفسية. كما تضررت أندية ومنتخبات رياضيًا وماليًا بسبب أخطاء لم تُصحح رغم توفر الوسائل.
لماذا تصمت بعض الاتحادات الوطنية؟
للأسف، تخشى بعض الاتحادات الوطنية مواجهة الفيفا أو الاتحاد القاري، إما خوفًا من العقوبات، أو بسبب عدم وجود آلية تنظيمية تسمح لها بالاعتراض على قوانين التحكيم أو تقنية VAR. ولذلك، فإن كثيرًا من هذه الأخطاء يتم تجاهلها، ولا تجد طريقها للمراجعة أو النقاش المؤسسي. وهذا ما يُحتم على الاتحادات الرياضية المستقلة والمؤسسات المهنية أن تتقدم بطلبات رسمية لمراجعة القوانين وتقديم توصيات شفافة.
الخلفية القانونية والواقعية
الفيفا هي الجهة الدولية المنظمة لكرة القدم، لكن جميع الاتحادات القارية (مثل الآسيوي والأوروبي) والاتحادات الوطنية تنتمي لها وتخضع لقوانينها.
رغم أن الفيفا تُقرّ القوانين عبر مجلس IFAB، إلا أن قرارات IFAB تتطلب غالبًا أغلبية الأصوات من الأطراف الأعضاء (الفيفا + الاتحادات البريطانية).
وبالتالي، من المفترض ألا تُفرض تغييرات تقنية حساسة مثل VAR دون مشاورات واسعة النطاق وموافقة من الاتحادات الأعضاء.
الإشكالية الحالية
-
الحكم يملك صلاحية تجاهل الفار أو عدم مراجعة الحالة رغم وضوح الخطأ.
-
اللاعب أو المدرب لا يستطيع قانونًا طلب مراجعة VAR أو المشاركة فيها.
-
لا توجد شفافية لحظة المراجعة، مما يفتح المجال لشكوك الجماهير واللاعبين في حياد القرار.
المقترح العملي لتعزيز العدالة
لضمان نزاهة حقيقية وشفافية في استخدام تقنية VAR، نقترح ما يلي:
-
إشراك قائد الفريق في مراجعة الحالات المؤثرة (هدف – ركلة جزاء – طرد مباشر)، بحيث يشاهد اللقطة مع الحكم على الشاشة الجانبية، ويستمع إلى التفسير الفني، ويكون ذلك موثقًا بالكاميرات.
-
إتاحة حق طلب مراجعة VAR رسميًا لكل فريق مرة أو مرتين في المباراة، يتم تفعيله من قبل الكابتن فقط، كما هو معمول به في التنس (Challenge system).
-
توضيح قرار الحكم بعد المراجعة على الشاشة مع شرح بسيط للجمهور، كما يحدث في بطولات NFL.
فوائد هذا المقترح
-
تعزيز الشفافية.
-
تقليل الاحتجاجات والانفعالات داخل الملعب.
-
تقوية العلاقة بين اللاعبين والحكام.
-
خلق بيئة تنافسية أكثر عدالة ونزاهة.
-
كبح التلاعب أو التجاهل المقصود لبعض الحالات.
-
رفع الثقة العامة في منظومة VAR، التي تعاني من ضعف تطبيق لا من ضعف تقنية.
توافق المقترح مع لوائح الفيفا وIFAB
هذا المقترح لا يتعارض مع سلطة الحكم، بل يدعمها بالشفافية. ويتطلب فقط تعديلاً في بروتوكول VAR يُمكن تمريره قانونيًا من خلال:
-
اتحاد وطني معترف به.
-
اتحاد قاري (مثل الاتحاد الآسيوي).
-
جهة رياضية مستقلة ذات صفة اعتبارية
ما الذي يمكن فعله لتعديل بروتوكول VAR رسميًا؟
-
تقديم مذكرات احتجاج رسمية من جهات رياضية مستقلة، مثل الاتحادات أو الأكاديميات المعترف بها.
-
تنظيم حملات إعلامية قانونية تسلط الضوء على النماذج المثيرة للجدل.
-
التواصل مع منظمات دولية تهتم بالنزاهة الرياضية مثل SIGA وTransparency International.
-
رفع دعاوى قانونية إلى محكمة التحكيم الرياضي (CAS) في حال توافر ضرر واضح.
-
إرسال توصيات قانونية إلى مجلس IFAB.
الخاتمة
نحن لا نطالب بإلغاء سلطة الحكم في كرة القدم، بل ندعو إلى توازن عادل بين سلطته والتقنية، خصوصًا في الحالات التي تكون فيها الأدلة واضحة للجميع. وكما نجحت لعبة التنس في تحويل التقنية إلى وسيلة حاسمة وعادلة، يمكن لكرة القدم أن تُحدث التوازن المطلوب، وتحفظ نزاهة التنافس.
ومن هنا، فإننا ، نرفع هذا المقال كمبادرة مهنية صادقة، موجهة إلى الجهات القانونية والتنظيمية الدولية، مطالبين بمراجعة بروتوكول VAR وتطويره، ليكون أداة حقيقية للعدالة، لا وسيلة شكلية تُترك لتقدير الحكم فقط.
📌 بقلم: الخبير الرياضي الكابتن إسحاق بن سراج
الاتحاد الدولي للتسويق والاستثمار الرياضي