في ظل التحول الكبير الذي تشهده الرياضة السعودية، وما تحققه من تطور لافت على مستوى البنية التحتية، والاحتراف، واستقطاب النجوم، يظل دور المشجع جزءًا محوريًا لا يقل أهمية عن الملعب نفسه. لكن، مع هذا الحراك الإيجابي، برزت على السطح بعض المظاهر السلبية التي تستحق الوقوف عندها بهدوء وعقلانية.
الرياضة وُجدت لتجمع لا لتُفرّق، لتبني لا لتهدم، ولترتقي بالروح والعقل، لا أن تُنهك الجسد وتُسمّم القلوب.
في السنوات الأخيرة، أصبحنا نلاحظ مظاهر سلبية متزايدة بين بعض المشجعين، تجاوزت حدود الانتماء المحمود إلى سلوكيات تسيء لصورة الرياضة، وتحولها من وسيلة للترفيه إلى أداة للصراع النفسي والاجتماعي. بعض المشجعين، وللأسف من مختلف الأعمار، انشغلوا بتصيد الأخطاء، وخلق نظريات الانحياز، والتشكيك بكل فوز لا يرضي ميولهم، بدلاً من التمتع بروح المنافسة الراقية.
هذا التعصب جعل البعض لا يفرح إلا إذا خسر الفريق الآخر، حتى لو كان الفريق الفائز يمثل الوطن. بل وصل الأمر إلى تمني الهزيمة للمنتخب الوطني، فقط لأن التشكيلة لا تتوافق مع ميولهم. وهنا تكمن الخطورة: حين يتفوّق التعصب على الوطنية.
رؤية المملكة 2030 وضعت تطوير الرياضة ضمن أولوياتها، وتطمح القيادة الرشيدة، بدعمها السخي، إلى أن يكون الدوري السعودي من بين أفضل عشرة دوريات في العالم، من خلال استقطاب نجوم عالميين، وتطوير البيئة الرياضية، وتحويل الأندية إلى كيانات احترافية تمثل الوطن في المحافل القارية والدولية.
لكن هذه الطموحات الكبيرة تحتاج جمهورًا واعيًا يواكب هذا التطور، ويعبّر عن دعمه وانتمائه برقيّ، لا بتعصبٍ أعمى. فالمشجع الحقيقي هو من يُسهم في الارتقاء بذوق التشجيع، ويُدرك أن احترام الآخرين لا يُقلل من حبه لناديه.
ولعل ما يجب أن يُقال بصراحة هنا: اللاعب الذي تُشجعه أو تُخاصم بسببه، لا يعرفك، ولا يُدرك حجم تعبك النفسي، ولا يتأثر بخسارتك لصحتك أو علاقاتك. هو يعيش في راحة مادية، يتقاضى عقودًا بملايين الريالات، ويتلقى الدعم النفسي والطبي بشكل دائم. بينما أنت تُجهد أعصابك، وتُهدر مالك في التذاكر، والهدايا، والمراهنات، وربما تتسبب لنفسك بأمراض الضغط والسكري والاكتئاب.
هل يستحق الأمر؟
الأذكى هو من يُشجّع بحب، ويبتسم في الفوز، ويستفيد من الخسارة، دون أن يخسر نفسه. أما الانفعال المفرط والتعصب، فلن يغيّر نتيجة مباراة، ولن يضيف نقطة في جدول الدوري، بل ربما يُضعف احترام الناس لك، ويُرهق جسدك على المدى الطويل.
الرياضة في جوهرها “فن وأخلاق وذوق”. أن تكون مشجعًا حقيقيًا لا يعني أن تهاجم، أو تسخر، أو تفتعل الفتن. بل يعني أن تدعم فريقك وتُحسن للآخرين، وأن تكون قدوة في أسلوبك وأخلاقك، حتى في الخسارة.
دعنا نعود إلى أصل الرياضة، ونترك التعصب جانبًا، لنصنع مجتمعًا رياضيًا وطنيًا، نقيًا، راقيًا، يليق بمستقبلنا وطموحاتنا.
مع التحية،
الكابتن: إسحاق بن سراج